الفتنةُ الكبرى ...تأملا ت في حاضر الأمة
الربيع العربي نموذجا
بدأتْ الفتنة الكبرى في عصر عثمان
وعلي ( رضي الله عنهما ) بسؤال بسيط مفاده،
أيجوز للمسلمين أن يخلعوا إمامهم إن أنكروا سيرتَه أم لايجوز ؟ بل أيجوز للإمام
نفسه أن يخلع نفسهُ إن ضاقت به الرعيَّة أم لا ؟ ومازال هذا السؤال معلقاً حتى
اليوم، وكل يفسره على هواه ووفقاً لرؤيته وفهمه وتحليله. وفي بعض الأحيان وفقاً
لما يحققُ مصالحَه.
نحن أمام فريقين أحدهما مؤيدٌ، والآخر
معارض ومشكك، وكلا الفريقين يحشدان ما أوتي لهما من الأحاديث والنصوص والتفسيرات
لدعم فكرته. وتدور النقاشات الساخنة التي يتقاذف فيها الفريقان الحجج والبراهين،
وفي أحيانٍ أخرى المقاعد والأحذية. الكل تملؤه الحماسة والغيرة على الدين ويتهم
" الآخر " بالجهل باديء ذي بدء، ثم يخرجُه من المِلةِ عندما يحتدم
النقاش أو يتعذرُ الرد.
ونحن نقول بداية أن على الفريقين أن
يتريثا قليلاً، وألا يُحسنا الظن كثيراً بأنفسهما ويُسيئا الظن بإسلام الآخرِين؛
فالموضوع برُمته ما هو إلا مسألةٌ خلافية يحسمُها النقاش والإقناع لا السبابُ
والتكفير.
ومما لا يخفى على أحدٍ أن أتباع المذهب السلفي هم أصحابُ وجهةِ النظر القائلة بعدم جواز الخروج على الحاكم، وهؤلاء غالباً ما يستشهدون بابن مجاهد وابن تيمية والحسن البصري وغيرهم.
ومما لا يخفى على أحدٍ أن أتباع المذهب السلفي هم أصحابُ وجهةِ النظر القائلة بعدم جواز الخروج على الحاكم، وهؤلاء غالباً ما يستشهدون بابن مجاهد وابن تيمية والحسن البصري وغيرهم.
وأنا أستغرب كيف يتم الإستشهاد
بأُناسٍ عايشوا أحداثاً وقعت قبل مئات السنين وكانت فتواهم مبنيةً على تلك الأحداث
التي لها خصوصيتها؟ وكيف يتم تجاهل الظرفِ التاريخي الذي أصدروا فيه تلك الفتاوى؟
وكيف لنا أن نسحب تلك الفتاوى على ما يحدث الآن؟
لقد أدعي الكثيرُ من العلماء قديماً وحديثاً وقوع الإجماع على تحريم الخروج على الحاكم الظالم، مع أنه قد ثبُت الخلاف بين العلماء - سلفاً وخلفاً - في مشروعية عزل الحاكم المسلم إذا وقع في الفسقِ وارتكب المظالم.
ودعوى الإجماع في هذه المسألةِ باطلةٌ، فلم يقل به أحدٌ صراحة قبل إبن مجاهد في القرن الرابع الهجري، ويكفي لمعرفة مقدار إتساع هذا الخلاف أنه لم يخلُ مذهب من مذاهب المسلمين من قائلٍ بجواز الخروج على الحاكم، فمتى إذن انعقد الإجماع؟.
لقد أدعي الكثيرُ من العلماء قديماً وحديثاً وقوع الإجماع على تحريم الخروج على الحاكم الظالم، مع أنه قد ثبُت الخلاف بين العلماء - سلفاً وخلفاً - في مشروعية عزل الحاكم المسلم إذا وقع في الفسقِ وارتكب المظالم.
ودعوى الإجماع في هذه المسألةِ باطلةٌ، فلم يقل به أحدٌ صراحة قبل إبن مجاهد في القرن الرابع الهجري، ويكفي لمعرفة مقدار إتساع هذا الخلاف أنه لم يخلُ مذهب من مذاهب المسلمين من قائلٍ بجواز الخروج على الحاكم، فمتى إذن انعقد الإجماع؟.
وأنا أستغرب كيف ينعقد هذا الإجماع في
القرن الرابع الهجري وكانت قد جرت قبلَهُ حوادثُ جسام في الخروج على الحكام من
أُناسٍ أقل ما يوصفون به أنهم من الأسباط الأوائل، وبعضهم كانوا من حواريي رسول
الله صل الله عليه وسلم. فعلى سبيل المثال:
هذه السيدة عائشة - وهيَ من هي -
تخرجُ على الإمام علي بن أبي طالب ( رضي الله عنهما ) ومعها إثنين من المبشرِين
بالجنةِ الزبير وطلحة ومعهم معاوية وآخرون من أفاضلِ الصحابة.
سنجد من يقول أنهم خرجوا لاختلافٍ في الرأي، أو أنهم خرجوا من أجل الإصلاح، وما نفهمه أن الإصلاح يتم حول موائد النقاش لا في ساحات القتال. وأشير هنا إلى أن هذا الخروج على الإمام علي كلَّفَ المسلمين أكثر من عشرةِ آلاف قتيلٍ، جُلُّهم من الصحابة .
وهذا الحسين إبن علي وهو من هو يخرج على يزيدٍ بن معاوية، وأستغربُ أن نجد من هؤلاء من يخطِّئُ الحسين وينتصر ليزيد .
ثم يأتى بعد ذلك دور العابد الزاهد عبد الله بن الزبير الذي خرج على يزيد ومن بعدِه مروان بن الحكم ثم من بعدِهم على عبد الملك بن مروان، قبل أن يُقتَل ويُصلب ما تبقى منه، ولم تشفعْ له أمه أسماء ولا جده أبو بكر.ونجد عالماً بحجم الحسن البصري يقف مؤيداً ليزيد بحجة عدم تفريق كلمة المسلمين .
ثم هذا سعيد بن جبير أزهد علماءِ عصرِه يخرج على مروان في ثورة إبن الأشعث لتكون نهايتُه كنهاية إبن الزبير على يد الحَجاج. ونجدُ أيضاً من يتهم إبن جبير بالخروج من الملة ويبرر ما فعله الحَجاج.
إذن لم ينعقد الإجماع من الأساس.
سنجد من يقول أنهم خرجوا لاختلافٍ في الرأي، أو أنهم خرجوا من أجل الإصلاح، وما نفهمه أن الإصلاح يتم حول موائد النقاش لا في ساحات القتال. وأشير هنا إلى أن هذا الخروج على الإمام علي كلَّفَ المسلمين أكثر من عشرةِ آلاف قتيلٍ، جُلُّهم من الصحابة .
وهذا الحسين إبن علي وهو من هو يخرج على يزيدٍ بن معاوية، وأستغربُ أن نجد من هؤلاء من يخطِّئُ الحسين وينتصر ليزيد .
ثم يأتى بعد ذلك دور العابد الزاهد عبد الله بن الزبير الذي خرج على يزيد ومن بعدِه مروان بن الحكم ثم من بعدِهم على عبد الملك بن مروان، قبل أن يُقتَل ويُصلب ما تبقى منه، ولم تشفعْ له أمه أسماء ولا جده أبو بكر.ونجد عالماً بحجم الحسن البصري يقف مؤيداً ليزيد بحجة عدم تفريق كلمة المسلمين .
ثم هذا سعيد بن جبير أزهد علماءِ عصرِه يخرج على مروان في ثورة إبن الأشعث لتكون نهايتُه كنهاية إبن الزبير على يد الحَجاج. ونجدُ أيضاً من يتهم إبن جبير بالخروج من الملة ويبرر ما فعله الحَجاج.
إذن لم ينعقد الإجماع من الأساس.
أقول إن الخروج على الحاكم الظالم
الذي لا ينحازُ إلى مصالح رعيته، ويقيمُ العدل هو واجبٌ إنسانيٌّ وشرعيٌّ
ومجتمعي.
أما عن شيوخ السلفية في العصر الحديث والذين يزعُمون وقوعَ هذا الإجماع ونراهم ضيوفاً دائمين على موائد الحكام ما بقِيَ هؤلاء فوق عروشهم، فإذا ما دارت عليهم الدوائرُ هرولوا أولئك الشيوخُ وتهافتوا على إقتسام الغنائم، فهؤلاء قال فيهم إبن حزم :
" ورأيتُ البعض ممَّن نصَّب نفسه للإمامةِ والكلامِ في الدين فصولاً ذكر فيها الإجماع، فأتى فيها بكلامٍ لو سكتَ عنهُ لكان أسلم له في أخراه، بل لعلَّ الخرسُ كان أسلم له ".
أما عن شيوخ السلفية في العصر الحديث والذين يزعُمون وقوعَ هذا الإجماع ونراهم ضيوفاً دائمين على موائد الحكام ما بقِيَ هؤلاء فوق عروشهم، فإذا ما دارت عليهم الدوائرُ هرولوا أولئك الشيوخُ وتهافتوا على إقتسام الغنائم، فهؤلاء قال فيهم إبن حزم :
" ورأيتُ البعض ممَّن نصَّب نفسه للإمامةِ والكلامِ في الدين فصولاً ذكر فيها الإجماع، فأتى فيها بكلامٍ لو سكتَ عنهُ لكان أسلم له في أخراه، بل لعلَّ الخرسُ كان أسلم له ".
مقال د. محمد لبيب منصور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق