الجمعة، 31 أكتوبر 2014


ذكاء إخوان تونس وغباء إخوان مصر

أول انطباع يصل عن العملية السياسية في تونس، هو الآتي: ذكاء إخوان تونس مقابل غباء إخوان مصر. فحركة النهضة تمكنت طوال عام ونصف من امتصاص كل موجة غضب، فيما أسقط الطمع الجماعة المصرية وعزلها.
حركة النهضة نجحت في نزع فتيل أزمات كثيرة كادت أن تقضي عليها وتعزلها، وألغت أسباب هجوم خصومها، وجردتهم من الأسلحة، وحافظت على جسمها من الاهتزازات الكبيرة.
اليوم، هل خسر إخوان تونس؟
النتيجة تقول إن الخسارة الجسيمة أصابت حلفاءها، فطردت أهم حليفين من مقاعدهم وفاجأتهم بنتيجة صادمة. وهذا حصاد طبيعي لمن يقرر التصدي للحكم في مرحلة انتقالية. أما تراجع حركة النهضة فلم يكن كبيراً. حافظت الحركة على ما يعادل ثلث المقاعد. وهو رقم كبير قياساً أمام فشل تجربة الحكم.
الوجود الإخواني في تونس حقيقة، استوعبها خصومهم جيداً، وبنوا معركتهم على هذا المعطى. يعلمون أن أي أطماع بتقليص النفوذ سريعاً لن يأتي بنتيجة، ويعرفون جيداً أن الإخوان يتغذون على المعارضة لا الحكم. وهذا المعطى استوعبه الإخوان أنفسهم صباح السادس من فبراير 2013 عندما اغتال مجهولون خصمهم شكري بلعيد. امتصوا الصدمة بدعوة المعارضة للمشاركة في الحكومة، ومن ثم إزاحة رئيسها، ووقف التمدد في أجهزة الدولة، وإلغاء تعيينات المحافظين والمسؤولين المحليين المحسوبين عليهم، والتراجع عن أفكار الأسلمة. والأهم وقوفهم ضد رغبة حلفائهم بتمرير قانون العزل السياسي، فمنحوا الحياة لحركة نداء تونس وزعيمها الباجي قائد السبسي. وبعد سقوط إخوان مصر، أزاحوا رئيس الحكومة، وقبلوا بالحوار الشامل، وتراجعوا عن جميع التعيينات الحزبية، وقبلوا بموعد الانتخابات قبل نهاية العام، وقد تمت بنجاح قائد السبسي ووجوه ما قبل 2011، وذلك خيار الشعب التونسي.
فارق الذكاء الإخواني في تونس عائد إلى طبيعة الجماعة محلياً، وخصائص المجتمع التونسي المتفوق تعليماً، كماً وجودة، على بقية الشعوب العربية. جماعية ذكية أحسنت في قراءة ردة الفعل على الصفعات المتوالية، وأتخذت قرارات علمت مسبقاً بضررها على نفوذها وإفقادها المصداقية أمام جماهيرها، ولكنها ضحت بالقليل وأبقت على الكثير. ذلك ما عجزت عن فهمه الجماعة الأم في مصر، فقد أصابها العنت واستولى على قراراتها العناد، فخسرت كل شيء وانتهت إلى العزلة والإرهاب، رغم أن قادتها أعلى تعليماً ولكنهم أكثر تهوراً وحماقة.
باختصار. كل ما فعله إخوان مصر غباء، ومعظم ما فعله إخوان تونس ذكاء.
فارس بن حزام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق